كما
تلاحظون أتى سيدنا وسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم كأعظم شخصية بشرية
وكما تلاحظون أيضا سيدنا عمر إبن الخطاب تم وضعة في المرتبة الخمسين
وبعد أن نقلنا موضوعاً عن كتاب " المائة : تقويم لأعظم الناس أثراً في التاريخ "
لمايكل هارت , وهذا الكتاب شهير وغني عن التعريف, ومؤلف الكتاب عالم فلكي
رياضي, وقد ترجم هذا الكتاب للعربية الأستاذ أنيس منصور, وهذه الطبعة
السابعة سنة ( 1986 ) طبع دار الزهراء للإعلام العربي .
ننقل
لكم هذا الإعتراف الذي سطره هذا الكاتب الأمريكي في كتابه من أن الرسول
محمد صلى الله عليه وسلم هو أعظم شخصية على الإطلاق , والغريب جداً أن كاتب
هذا الكتاب ليس بمسلم , ولا المجتمع الذي يعيش فيه إسلامي , إنما على
العكس تماماً , والآن نترككم مع ما جاء في الكتاب :
1- محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 570 – 632 م) .
لقد
اخترنا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) في أول هذه القائمة , ولا بد أن
يندهش كثيرون لهذا الاختيار , ومعهم حق في ذلك , ولكن محمداً ( صلى الله
عليه وسلم ) هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على
المستوى الديني والدنيوي .
وهو
قد دعا إلي الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائداً سياسياً
وعسكرياً ودينياً , وبعد 13 قرناً من وفاته فإن أثر محمد ( صلى الله عليه
وسلم ) ما يزال قوياً متجدداً .
وأكثر
هؤلاء الذين اخترتهم قد ولدوا ونشئوا في مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة
سياسياً وفكرياً , إلا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فهو قد ولد سنة 570
ميلادية في مدينة مكـة جنوب شبه الجزيرة العربية في منطقة متخلفة من العالم
القديم , بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والثقافة والفن .
وقد مات أبو وهو لم يخرج بعد إلي الوجود , وأمه وهو في السادسة من عمره , وكانت نشأته في ظروف متواضعة وكان لا يقرأ ولا يكتب .
ولم يتحسن وضعه المادي إلا في الخامسة والعشرين من عمره عندما تزوج أرملة غنية .
ولما قارب الأربعين من عمره كانت هناك أدلة كثيرة على أنه ذو شخصية فذة بين الناس .
وكان
أكثر العرب في ذلك الوقت وثنيين , يعبدون الأصنام وكان يسكن مكـة عدد قليل
من اليهود والنصارى , وكان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على علم بهاتين
الديانتين .
وفي
الأربعين من عمره امتلأ قلبه إيماناً بأن الله واحد أحد , وأن وحياً ينزل
عليه من السماء , وأن الله قد اصطفاه ليحمل رسالة سامية إلي الناس .
وأمضى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاث سنوات يدعو لدينه الجديد بين أهله وعدد قليل من الناس .
وفي 613 ميلادية إذن الله لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يجهر بالدعوة إلي الدين الجديد فتحول قليلون إلي الإسلام .
وفي
622 ميلادية هاجر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إلي المدينة المنورة .
وهي تقع على مدى 200 كيلو متر من مكـة المكرمة . وفي المدينة المنورة اكتسب
الإسلام مزيداً من القوة .. واكتسب رسوله عدداً كبيراً من الأنصار .
وكانت
الهجرة إلي المدينة المنورة نقطة تحول في حياة الرسول ( صلى الله عليه
وسلم ) وإذا كان الذين تبعوه في مكـة قليلين , فإن الذين ناصروه في المدينة
كانوا كثيرين .
وبسرعة اكتسب الرسول والإسلام قوة ومنعة , وأصبح محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أقوى وأعمق أثراً في قلوب الناس .
وفي
السنوات التالية , تزايد عدد المهاجرين والأنصار , واشتركوا في معارك
كثيرة بين أهل مكـة من الكفار , وأهل المدينة من المهاجرين والأنصار .
وانتهت كل هذه المعارك في سنة 630 بدخول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) منتصراً لمكـة .
وقبل
وفاته بسنتين ونصف السنة شهد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الناس يدخلون في
دين الله أفواجاً .. ولما توفى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان الإسلام
قد انتشر في جنوب شبه الجزيرة العربية .
وكان
البدو من سكان شبه الجزيرة مشهورين بشراستهم في القتال .. وكانوا ممزقين
أيضاً , رغم أنهم قليلو العدد , ولم تكن لهم قوة أو سطوة العرب في الشمال
الذين عاشوا على الأرض المزروعة .
ولكن
الرسول استطاع لأول مرة في التاريخ , أن يوحد بينهم وأن يملأهم بالإيمان
وأن يهديهم جميعاً بالدعوة إلي الإله الواحد , ولذلك استطاعت جيوش المسلمين
الصغيرة المؤمنة أن تقوم بأعظم غزوات عرفتها البشرية فاتسعت الأرض تحت
أقدام المسلمين من شمالي شبه الجزيرة العربية وشملت الإمبراطورية الفارسية
على عهد الساسانيين وإلي الشمال الغربي واكتسحت بيزنطة والإمبراطورية
الرومانية الشرقية .
وكان
العرب أقل بكثير جداً من كل هذه الدول التي غزوها وانتصروا عليها .. وفي
642 انتزع العرب مصر من الإمبراطورية البيزنطية , كما أن العرب سحقوا
القوات الفارسية في موقعة القادسية في 637 وفي موقعة نينوى في 642 , وهذه
الانتصارات الساحقة في عهد الخليفتين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب , لم
تكن نهاية الزحف العربي والمد الإسلامي في العالم .
ففي
711 اكتسحت القوات الإسلامية شمال أفريقيا حتى المحيط الأطلسي ثم توجهت
القوات الإسلامية بعد ذلك إلي مضيق جبل طارق وعبروا إلي أسبانيا , وساد
أوروبا كلها شعور في ذلك الوقت بأن القوات الإسلامية تستطيع أن تستولي على
العالم المسيحي كله .
ولكن في 732 وفي موقعة تور بفرنسا , انهزمت الجيوش الإسلامية التي تقدمت إلي قلب فرنسا .
ورغم
ذلك فقد استطاع هؤلاء البدو المؤمنون بالله وكتابه ورسوله , أن يقيموا
إمبراطورية واسعة ممتدة من حدود الهند حتى المحيط الأطلسي , وهي أعظم
إمبراطورية أقيمت في التاريخ حتى اليوم , وفي كل مرة تكتسح هذه القوات
بلداً , فإنها تنشر الإسلام بين الناس .
ولم
يستقر العرب على هذه الأرض التي غزوها , إذ سرعان ما انفصلت عنها بلاد
فارس , وإن كانت قد ظلت على إسلامها , وبعد سبعة قرون من الحكم العربي
لأسبانيا والمعارك المستمرة , تقدمت نحوها الجيوش المسيحية فاستولت عليها ,
وانهزم المسلمون .
أما مصر والعراق مهدا أقدم الحضارات الإنسانية فقد انفصلتا , ولكن بقيتا على دين الإسلام , وكذلك كل شمال أفريقيا .
وظلت الديانة الجديدة تتسع على مدى القرون التالية , فهناك مئات الملايين في وسط أفريقيا وباكستان وإندونيسيا.
بل
إن الإسلام قد وحد بين إندونيسيا المتفرقة الجزر والديانات واللهجات , وفي
شبه القارة الهندية انتشر الإسلام وظل على خلاف مع الديانات الأخرى .
والإسلام
مثل كل الديانات الكبرى , كان له أثر عميق في حياة المؤمنين به , ولذلك
فمؤسسو الديانات الكبرى ودعاتها موجودون في قائمة المائة الخالدين .
وربما
بدا شيئاً غريباً حقاً .. أن يكون الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في
رأس هذه القائمة , رقم أن عدد المسيحيين ضعف عدد المسلمين , وربما بدا
غريباً أم يكون الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) هو رقم واحد في هذه القائمة ,
بينما عيسى ( عليه السلام ) هو رقم 3 وموسى ( عليه السلام ) رقم 16 .
ولكن
لذلك أسباب : من بينها أن الرسول محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) قد كان
دوره أخطر وأعظم في نشر الإسلام وتدعيمه وإرساء قواعد شريعته أكثر مما كان
لعيسى ( عليه السلام ) في الديانة المسيحية , وعلى الرغم من أن عيسى ( عليه
السلام ) هو المسئول عن مبادئ الأخلاق في المسيحية , غير أن القديس بولي
هو الذي أرسى أصول الشريعة المسيحية , وهو أيضاً المسئول عن كتابة الكثير
مما جاء في كتب " العهد الجديد " .
أما
الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فهو المسئول الأول والأوحد عن إرساء قواعد
الإسلام وأصول الشريعة والسلوك الاجتماعي والأخلاق وأصول المعاملات بين
الناس في حياتهم الدينية والدنيوية , كما أن القرآن الكريم قد نزل عليه
وحده , وفي القرآن الكريم وجد المسلمون كل ما يحتاجون إليه في دنياهم
وأخرتهم .
والقرآن
الكريم نزل على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كاملاً , وسجلت آياته وهو
ما يزال حياً , وكان التسجيل في منتهى الدقة , فلم يتغير منه حرف واحد ,
وليس في المسيحية شيء مثل ذلك , فلا يوجد كتاب واحد محكم دقيق لتعاليم
المسيحية يشبه القرآن الكريم , وكان أثر القرآن الكريم على الناس بالغ
العمق , ولذلك كان أثر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على الإسلام أكثر وأعمق
من الأثر الذي تركه عيسى ( عليه السلام ) على الديانة المسيحية .
فعلى المستوى الديني كان أثر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قوياً في تاريخ البشرية , وكذلك كان عيسى ( عليه السلام ) .
وكان
الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على خلاف عيسى ( عليه السلام ) رجلاً
دنيوياً فكان زوجاً وأباً وكان يعمل في التجارة ويرعى الغنم وكان يحارب
ويصاب في الحروب ويمرض .. ثم مات .
ولمـا كان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قوة جبارة , فيمكن أن يقال أيضاً إنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ .
وإذا
استعرضنا التاريخ .. فإننا نجد أحداثاً كثيرة من الممكن أن تقع دون
أبطالها المعروفين .. مثلاً : كان ممكن أن تستقل مستعمرات أمريكا الجنوبية
عن أسبانيا دون أن يتزعم حركاتها الاستقلالية رجل مثل سيمون بوليفار .. هذا
ممكن جداً على أن يجئ بعد ذلك أي إنسان ويقوم بنفس العمل .
ولكن
من المستحيل أن يقال ذلك عن البدو .. وعن العرب عموماً وعن إمبراطوريتهم
الواسعة , دون أن يكون هناك محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يعرف العالم
كله رجلاً بهذه العظمة قبل ذلك , وما كان من الممكن أن تتحقق كل هذه
الانتصارات الباهرة بغير زعامته وهديته وإيمان الجميع به .
ربما
ارتضى بعض المؤرخين أمثلة أخرى من الغزوات الساحقة , كالتي قام بها المغول
في القرن الثالث عشر , والفضل في ذلك يرجع إلي جنكيز خان , ورغم أن غزوات
جنكيز خان كانت أوسع من غزوات المسلمين , فإنها لم تدم طويلاً , ولذلك كان
أثرها أقل خطراً أو عمقاً .
فقد انكمش المغول وعادوا إلي احتلال نفس الرقعة التي كانوا يحتلونها قبل ظهور جنكيز خان .
وليست
كذلك غزوات المسلمين .. فالعرب يمتدون من العراق إلي المغرب , وهذا
الامتداد يحتوي دولا عربية , لم يوحد بينها الإسلام فقط , ولكن وحدت بينها
اللغة والتاريخ والحضارة , ومن المؤكد أن إيمان العرب بالقرآن هذا الإيمان
العميق , هو الذي حفظ لهم لغتهم العربية وأنقذها من عشرات اللهجات الغامضة ,
صحيح أن هناك خلافات بين الدول العربية , وهذا طبيعي , ولكن هذه الخلافات
يجب ألا تنسينا الوحدة المتينة بينها .
مثلاً
: لم تشترك إيران المسلمة وإندونيسيا المسلمة في فرض حظر البترول على
العالم الغربي فيما بين 1973 و 1974 بينما نجد أن الدول العربية البترولية
قد شاركت جميعاً في هذا الحظر !
وهذا
الموقف العربي الموحد يؤكد لنا أن الغزوات العربية التي سادت القرن السابع
, ما يزال دورها عميقاً وأثرها بليغاً في تاريخ الإنسانية حتى يومنا هذا .
فهذا
الامتزاج بين الدين والدنيا هو الذي جعلني أومن بأن محمد ( صلى الله عليه
وسلم ) هو أعظم الشخصيات أثراً في تاريخ الإنسانية كلها !